معزوفة الخراب
هناك فتاة رشيقة المظهر..شعرها ذهبي تداعب خصلاته الرطبة جبينها المكشر..ملامح حائرة تائهة في غياهب الواقع..عيون حزينة بالكاد تتملاك دموعها..تعض شفتيها بحرقة..تتماشى بخطوات متباطئة..ترفع يديها يصعوبة لتفتح باب منزل منعزل في وسط غابة أتعبها فصل الشتاء..كل الاشجار المحيطة بها أغصانها قد اكسرت و أوراقها وقعت على أرض ملطخة بالطين..الغريب في ذلك المشهد أن الفتاة لم تتفاجىء بظلمة البيت ورثاء جدرانه على أحبابه و ذكرياتهم العميقة على مر السنين…تجد في محوره آلة كمان وحيدة..تتلاقى نظراتهما و :انهما وجدا روحهما بعد فراق طويل..كلتاهما بحثتا عن نصفيهما الضائع في مطار الحياة..تمسكان بعضهما.. يتعانقان و يعزفان معا لحنا يجمع بين لهيب الشوق و عودة الانس..يهب ريح عابر فيتراقص فستانها الابيض البليد و شعرها الاشعث على معزوفة الكمان و فتاته..تقشعر أناملها من نسيم الشتاء القارص..و تتجمد كل الاحاسيس المدفونة في عمق الروح و تنطفىء شمعة الحنين..تتوقف لبرهة و تستمتع بهذا المنظر و إن كان قاس فهو يجذب شيئا منها و يطعمه رحيقا طيبا ممزوج بقطرات الغيث المتساقطة أمام البيت و التي تنذر بعاصفة رعدية قادمة…تسود فجأة تلك الغيمة بعد رمادها الباهت الخلاب..و يجف عرقها..لتعوضه رياح هائجة تفترس ضحاياها كل حسب رزانته و ثقله على سطح الارض و صلب ركيزته التي اكتسبها على مر الزمان…تفقد الفتاة هدوئها المعتاد و تقرر مجابهة ذلك الخطر و تصبح روحها المنكسرة هي سلطان مملكتها..فتحمل كمانها بأصابع يدها الجريحة فتقبض كفها على عود الكمان..تتحد العاصفة و تسمعها طرب التصدي و إعلان الحرب عليها…كلتاهما يحاولان إثبات من الاقوى..تزهر العاصفة لهيبها و تغرز سيفها في كل ركن من البيت العجوز الذي يحتضر بصمت و الفتاة بعزيمتها تعزف لحن الجهاد و هي معزوفة الخراب..يتوقف الفيلم هنا و يرسى على نهاية مفتوحة تستفز كل قارىء و تدفعه إلى اختيار المنتصر من هذه المواجهة الشرسة كل حسب ميولاته الفكرية و قناعاته الشخصية..الذي يسير بخطى ثابتة لا يتأثر باستقامة أو اعوجاج طريقه و لا تزعزعه أي معادلة رياضية أو قوانين منطقه و إن فرضت على كل كائن في هذه الحياة.