ثقافة

تاريخ/ حادثة وادي بوحشيشة

حادثة وادي بوحشيشة

كان يوم 21 فيفري 1961 يوم مشؤوم على الكفاح المسلح في منطقة الطارف، مازال الطارفيين المجاهدين بصفة خاصة و المواطنين بصفة عامة يتذكرون عرض أكثر من 14 جثة لما وصفتهم الصحافة الفرنسية يومها بالخارجين على القانون HLL، قالوا أنهم عبروا الخط المكهرب الواقع بين الفرين و عين العسل بمجمع القوات الفرنسية الكائن بعين العسل الذي كان يسمى باسم أحد سفاحي الجيش الفرنسي الجنرال يوسف Yusuf.

تكلم الكثيرين من المحللين و المؤرخين و محبي التاريخ، و تسألوا : من المتسبب في الحادثة ؟ ومن المسؤول عن العبور؟ و من قاد هؤلاء الشهداء نحو المجهول؟ لكننا اليوم نروي قصة المأساة التي رافقت إستشهاد هؤلاء الأبطال، تلك المأساة التي سنبقى نرويها لأبنائنا ما دامت فينا الروح.

قصة العبور اليوم نرويها على لسان مجاهدان هما من بين ما تبقى من العناصر التي عبرت ذلك الحقل اللعين، حقل الموت، في ذلك اليوم المشؤوم… المجاهدان هما : “لعداسي رابح” و “بوعشة رمضان” صرحا في حوار للإذاعة الجهوية بالطارف بتاريخ 03 مارس 2016 بمناسبة “عيد النصر” أمام جمع من تلاميذ ثانوية “عين العسل” التي سميت على إسم أحد أبطال هذه التراجيديا الإنسانية “سراي أحمد” المدعو “لصنامي”.

بدأت الندوة بكلام مدير متحف المجاهد السيد “عزبز عوفي” مستهلا كلامه بأهمية ذلك اليوم و الفاجعة التي حلت بجيش التحرير بالمنطقة، نتيجة لسقوط 37 شهيدا و تعتبر تلك الحصيلة الأكبر في المنطقة و التي قسمت ظهر الكفاح المسلح بالقاعدة الشرقية لكنها لم تثني من عزيمة الرجال الذين واصلوا كفاحهم بدون هوادة من أجل إخراج أخر فرنسي من أرض الوطن، ثم أعطى الكلمة للمجاهد “بوعشة رمضان”…

قال المجاهد “بوعشة رمضان” : بدايتا، الفيلق 13 كان يقوده نائب الفيلق الملازم “عبد الكريم حداد” المعروف باسم “عبد النور” جاء بأمر من العقيد “هواري بومدين” رئيس الأركان، وكان الأمر بفتح الطريق لهم عبر الخط المكهرب، و كان مقرر أن ينقسم الفيلق إلى مجموعتين

المجموعة الأولى تبقى ناحية السبعة بقيادة الملازم حداد عبد النور

المجموعة الثانية تذهب إلى الولاية الثانية أو الشمال القسنطيني بقيادة الكومنون “اليازيد بن يازار” و عندما فتحنا لهم المعبر إصطدمنا بكمين مموه، طوله 40 متر ممتلئ بالألغام لم نكن نتوقعه…

زاد من حدة المشكل أن المجاهدين كانوا محملين بالكثير من الأسلحة، فكان كل مجاهد محمل بصاروخين بازوكا، و ذخيرة، و لباس عسكري أخر و بمبلغ من المال قدر بمليون فرنك…

فلما وقعنا في الفخ إنفجرت عليهم الألغام كما إنفجرت صواريخ البازوكا…

المذيعة : هل كنتم معهم عند استشهادهم…

رابح بوعشة : كنت قد إجتزت الطريق الوطني رقم 44، و عند سماعي الإنفجار رجعت، فوجدت الرفاق ملقيين على الأرض، مخضبين بدمائهم مستنجدين بنا بقولهم : لا تتركونا يا إخوتنا ]باكيا[

]يطلب منه مدير متحف المجاهدين أن يستريح من شدة تأثره لما تذكر رفاق الكفاح[ ليكمل المجاهد إبراهيم لعداسي

إبراهيم لعداسي :

نحن لما قمنا بتأمين المجموعة كان الجيش يدعمنا على الجانبين من الطريق، جزء منه جهة القالة و الأخر جهة عين العسل، و قد كانت المجموعة التي ستعبر مجهزة بعتاد حربي معتبر…

لما إقتربنا من الخط قال لنا الرائد “اليازيد بن اليازار” أن المجموعة حاملة لوثائق و أموال، و تقدر قيمة الأموال مليون فرنك فرنسي قديم لكل مجاهد حامله في الجيب الأيسر من البدلة العسكرية.

لما وصلنا إلى الخط وجدنا “بلوكوز” للقومية، قاما المجاهدان  لعراب رابح و لصنامي بضربهم بـوابل من رشاشهما فهربوا، و عند وصولنا للخط كان “لصنامي” على يميني و “لعراب رابح” على يساري، قام “لصنامي” بقطع الأسلاك المكهربة، و ما كاد ينتهى حتى كان “البلاندي” قد تحرك نحونا لأنهم عرفوا مكاننا بسبب إنقطاع الخط المكهرب، فضربه المجاهد “عمارة بن الحمادي” بـرشاش 57 فتوقف و تكلم عبر مكبر الصوت بالفرنسية طالبا إلقاء السلاح و الإستسلام… يوجد من المجاهدين من عبر الخط المكهرب و لم يصل بعد للطريق، فتوقفوا و جلسوا أرضًا لكي لا تكشفهم الأضواء الكاشفة أو “البلاندي”

كان “لصنامي” يتقدم أولا، وواصل سيره لوسط الطريق رفقة القافلة فوجد الأسلاك ملقية فوق الأرض، فرجع و قال لي : يا “لعداسي” أعطيني عود “بنغالور”… هذه الذكرى التي لن أنساها ما حييت… و أنا أهم بإخراج عود “البنغالور” و الكبريت، و كنت عاري الرأس، أحسست أن التراب سقط فوق رأسي، لقد إنفحرت إحدى “الألغام” ، ساعتها سقط الإخوة…

الملازم “عبد النور حداد” سقط أمامي، بالقرب من الطريق، و يصرخ بصوت مرتفع : أضرب يا “عمارة بن الحمادي” الكاشف الضوئي « Projecteur »  قد أحرق الإخوة (الكاشف الضوئي الخاص بمجمع الجيش الفرنسي الذي كان يسيره القومية بمركز عين العسل)، فضربه فشله عن العمل.

ويتابع المجاهد “لعداسي إبراهيم” حديثه و عيناه مغرورقتان بالدموع

ذهبنا لنجدة إخواننا الذين سقطوا و عند وصولنا للملازم “عبد النور حداد” قال لنا : اذهبوا لنجدة “عبد القادر عبد اللاوي” فأنا ميت

حملنا بعض المجاهدين، ولو حملنا “عبد النور” لكان عولج و لكان على قيد الحياة اليوم، لكننا إلتزمنا بأوامره، وزاد خوفنا لو وصل الحركى للمنطقة و القضاء على من تبقى منا و نحن منشغلين بالجرحى، لذلك أسرعنا في حمل الجرحى و الضحايا و ترك المنطقة.

في الصباح وصلت القوات الإستعمارية للمنطقة، لما وصلوا لمنطقة الحادثة أرسلوا القومية للبحث عن الشهداء أو فيما لو بقى من المجاهدين جرحى على قيد الحياة، و السؤال لماذا أرسلوا القومية دون الجنود الفرنسيين؟ هذا خوفا من إنفجار الألغام، فإذ إنفجرت فإنها ستنفجر على “الجزائريين” حركي كانوا أو شهداء…

إستمر القومية في جمع جثامين الشهداء، و أثناء بحثهم عن الشهداء أو عن أحياء ممكن بقوا مختبئين وسط الأحراش أو بعض المكاسب المادية، عثروا على المجاهد “موسى لبرق” رفقة مجاهدان أخران بالقرب من الوادي لا يزالون على قيد الحياة، و لأن القومية من نفس المنطقة التي يسكنها المجاهد “لبرق موسى” وهي “عين خيار” فقد تعرفوا عليه، كما عرفهم، دعاهم بأسمائهم و أعطاهم مليون فرنك طالبا منهم أن يرجعوا و لا يكشفوا أمرهم للسلطات الإستعمارية التي لا تبعد عنهم إلا أمتار…

 بعدما أخدوا المال (المليون فرنك) قاموا بقتل المجاهد “لبرق موسى” رفقة رفيقيه.

جمعت جثامين الشهداء في مركز عين العسل، و عرضت على السكان، كذلك دعوا الحركى للتعرف على الجثامين، فتعرفوا على جثة الشهيد “لبرق موسى” و الشهيد “بوسبسي عومار” و “بوعرس بشينية”، فيما تعذر التعرف على الباقى، لأن أغلب حركى ذلك المركز كانوا من جهة عين خيار، الطارف و القالة…

في المساء إستقدمت السلطات الإستعمارية بعض من حركى منطقة “بلاندن” بوثلجة حاليا و الذين أكملوا التعرف على الشهداء الأخرين أمثال “حداد عبد النور” و “عبد الله محزم” و غيرهم…

أما الأسرى فقد قامت السلطات بمداوات الجرحى منهم بمستشفى الطارف كالمجاهد “محزم عبد الله” الذي لفظ أنفاسه الأخيرة بالمستشفى و الباقي وجهوا للإستنطاق بمراكز التعذيب بالقالة و أدرك أغلبهم الإستقلال و أفرج عنهم من أمثال المجاهد “فريخ”

رحم الله شهدائنا و العزة لوطننا

الصور : من جريدة لوفيغارو الصادرة بتاريخ 23 فيفري 1961

الصورة الأولى : إلقاء القبض على مجاهدين ممن عبروا الخط المكهرب صبيحة 21 فيفري 1961  ]حسب المجاهدان فإن عدد الأسرى كان أربعة مجاهدين[

الصورة الثانية : صورة لعرض جثامين الشهداء وسط مركز عين العسل Yusuf و يظهر الشهيد “عبد النور حداد” الثاني يسار الصورة

 

 

اظهر المزيد

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار
خارطة طريق الإعلام الجزائري لمجابهة الحملات التي تستهدف الجزائر الرابطة الثانية هواة/ نتائج الجولة (24): تبسة / العائلات التبسية تستعد لاستقبال عيد الفطر المبارك قسنطينة / وفاة شاب بعد اصطدام بين سيارة ودراجة نارية ببلدية الخروب الطارف/ الشرطة تطيح بعصابة اجرامية مختصة في سرقة المساكن الطارف/ اللجنة الدينية لمسجد الفرقان بداغوسة تناشد السلطات للتدخل العاجل لإنقاذ البيئة وصحة السكان ... تصفيات كأس العالم، 2026/ بوتسوانا (1) الجزائر (3). وزير الاتصال يؤكد على ضرورة تشكيل جبهة وطنية إعلامية للدفاع عن صورة الجزائر جيجل / اجتماع المجلس التنفيذي للولاية/قطاع التربية على طاولة الوالي قسنطينة / حجز 5 أطنان من مستحضر السكاكير غير صالحة للإستهلاك البشري من داخل ورشة العاصمة/ توقيف مسن في قضية جناية احتجاز إمرأة وتعريضها للتعذيب ميلة / إحياء الذكرى 63 لعيد النصر 19 مارس 1962 الطارف / الذكرى الثالثة والستون ليوم النصر :"على خطى الانتصار وفاء لمسيرة الأحرار" سكيكدة / تنصيب اللجنة الولائية المشتركة لتعزيز التعاون بين وزارة الشباب والكشافة الإسلامية الجزائرية قسنطينة / جمع 975 كيس من الدم بمساجد قسنطينة