
السيدات والسادة أعضاء الحكومة؛
ـ السيدات والسادة النواب،
ـ السيدات والسادة الإطارات؛
ـ ضيوفنا الـكـرام،
يُسْعِـدُنِي أن أُشَارِكَكُمْ هذا الحَفْلْ الإفْتِتَاحِي للجلسات الوطنية حول إصلاحِ الـمَنظُومة الجبائيةْ، الذي يهدفُ إلى إِجْرَاءِ دِرَاسَةٍ نَقدِيةْ مُعَمَقةْ لِـمُجملِ جَوانبْ هذه الـمَنْظُومةْ، قَصْدَ الوُصولِ إلىَ أنماطٍ مُجددةٍ قادرةٍ علىَ تَطويرهَا وتَكييفهَا مع التطّلعاتِ والـمُتَطَلَبَاتِ الاقتصاديةْ والاجتماعيةْ بِمُختلفِ أشكالهَا.
ـ أيتها السيدات، أيها السادة،
لقدْ بدأت معالـمْ الجمهورية الجديدةِ تَتَرَاءَىَ مِنْ خلالْ الـمُراجعةْ الدستوريةْ الـمُقترحةْ حاليًا للـمُناقشةْ، وإعدادْ خطةَ بعثِ الإنعاشْ الاجتماعيْ والاقتصاديْ التي تستدعيِ إعادةَ النظرْ بصفةٍ معمقةٍ في النظام ِالجبائيِ الحاليِِ وذلك استجابةً للتحدياتِ الراهنةْ الواجبِ رَفْعُهَا من طرفِ الدولةِ والشعبِ معًا.
ويندرجُ هذا الإصلاحْ ضِمنَ َالخُطوةِ الشاملةْ التي بَاشَرَتْهَا السلطاتْ العمومية والتي ترمي الى مُراجعةِ نظامِنَا الـمَالي والـمَصْرفـيِ، بهدفِ دعمِ الرُؤيةِ الاقتصاديةْ الجديدةْ للدولة، التي ستُلزِِمُ بِلاَدَنَا خلالَ العُقودِ القادمةِ بِمُواجَهَةِ تَحدياتِ ومتطلباتِ تَوَازُِنِهَا الـمَاليْ، مع السهرِ على صونِ الطابعِ الاجتماعي للسياساتْ العمومية.
ولا يُخْفَى على أحدٍ أن الـمواردْ الـماليةْ للدولة تَستندُ أساساً ومنذُ عقودْ، على الجبايةِ البتروليةْ، التي أصبحتْ تُوجََّهُ نِسبةً منهَا في السنواتِ الأخيرةِ لِتغطيةِ جزءٍ من نفقات ِتسييرْ الدولة، بَدَلاً من أن تُوجََّهَ بِرُِمَتِهَا إلى تمويلِ الجهودِ الاستثماريةْ والتنمويةْ للبلادْ.
وإذْ يَتَعَلَقُ الأمرُ بموردٍ ماليٍ يَرتَكِزُ على طاقاتٍ غَيرَ مُتَجَدِدَةٍ، نَاهِيكَ عن تقلباتْ أسعارِ هذه الـمادة في السُوقْ العالـمية بسبب عواملٍ خارجية ٍلا نَتََحَكَمُ في زِِمَامِهَا، فإن ذلك سيُؤدِي حتمًا إلى عدمِ ضمانِ مُتطلباتِ دَيْمُومَةِ الـمواردِ العموميةْ بما يَستجيبُ لاحتياجاتِ البلادْ الـمُتزايدةْ والـمُرتبطة ْبالتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
فضلاً عن ذلك، فإن الجباية العادية، على الرغمِ من الجهودِ الـمبذولةِ في السنواتِ الأخيرةِ على الصعيدِ التشريعيِ والوظيفي والتنظيمي والهيكلي، من أجل تحديثِهَا، لـَمْ تَبْلُغ ْ إلى حدِّ الآن الـمُستوياتِ الـمُتوقعةْ من الإيراداتْ، مِمَا يُؤثرُ سلبًا على التوازناتِ الـماليةِ للدولة، ويُعيقُ بَعْثَ مَشاريعْ التنمية وتَجسيدِهَا.
علاوةً على ذلك، يُلاَحَظُ أن النظام الجبائي الحالي أَبْعَدُ مِنْ أن يَستجيبَ إلى مُتطلباتْ الإنصافْ (équité) الـمُنتظرةْ، انطلاقًا من أنَ العبءْ الجبائيِ يتميزُ بسوءِ تَوزيعِهِ بين مُختلفِ الأعوانْ الاقتصاديين بناءً على قُدراتهم التساهميةِ.
وفي هذا الصدد، فإن خَيْرَ مثالٍ على ذلك يَتجَلىَ بكلِ وضوحٍ من خلال الجبايةِ على الدخلِ، التي تَرتكزُ أساسًا على مداخيلِ الأجورْ، في حين أن مُساهمةَ الفئاتْ الأخرىِ لا تزالُ ضعيفةً بصفةٍ غيرِ عاديةْ.
ـ أيتها السيدات، أيها السادة،
إن الاقتصاد الـمُوازيِ، على الرغم من كل الجهودِ الـمَبذولةِ من طرفِ السلطاتِ العموميةْ لتسهيلِ إِدْمَاجِِه، لا يَزالُ يَنْشطُ خارجَ القواعدِ القانونيةْ، مِمَا يُشكلُ إجْحِافًا أمامَ الامتثالْ الجبائيِ، بِاعْتبارْ أن الـمُتعاملينَ في السوقِ الـمُوازيةْ لا يُقَدِمُونَ أي مُساهمةٍ جبائيةٍ مقارنةً بالـمُتعامِلينَ الذين يَنشُطونَ ضمن َالأطرْ القانونيةْ الذين يتحملونَ العبءَ كُلهُ منْ خلال الوفاءِ بِوَاجباتِهمْ الجبائيةْ في تمويلِ الوارداتْ الـمالية للدولة والجماعات الـمحلية.
وبالتالي، فإن هذه الظاهرة قد تُؤدي أيضًا إلى التقليصِ من فعاليةِ السياساتْ العموميةْ الراميةِ إلى التشجيعِ والنهوضِ بالاستثمار، لِكَوْنِهَا تُشكِلُ عائقًا يَحُولُ دُونَ السَيْرِ السليمِ لـمَسَار ِ الاقتصاد الوطني، مِمَا يُخِلُ بقواعدِ الـمُنافسةِ النزيهةِ ويُحْرِمُ الدولةَ من الـمواردِ الـماليةِ الـمَرْجُوَةِ.
ولهذا الغَرَضْ، فَإِنَّهُ يُنْتَظَرُ منكم تقديم اقْتِرَاحَاتْ وَعُرُوضْ يُمْكِنُهَا أن تضمن امْتِثَالْ الـمُكَلَّفِينَ بالضريبة الى التَّوَافُقْ الجبائي، من خلال الـمُوَازَنَة بين القُدُرَات التَّسَاهُمِية للأعوان الاقتصاديين واحْتِياجَات تمويل الدولة، مع السهر على ضمان التوزيع العادل للعبء الجبائي.
أيتها السيدات، أيها السادة،
إنَّ الإصلاح الجبائي الـمُنْتَظَرْ يجب أن يَرْتَكِزَ على رؤية قائمة على رَقْمَنَةِ العمليات الجبائية، بِنَمَطٍ عَمَلِي يسمح للـمُكلف بالضريبة بِالاتِّصال عَنْ بُعْدْ مع إدارته الجبائية.
ويجب أن يكون هذا الإصلاح مَرفُوقًا بإعادة تأهيل الخدمة العمومية من خلال الإِصْغَاءِ لاِنْشِغالات الـمواطن والقَضَاِء الجِذْرِي على البيروقراطية ومكافحة كل أشكال الـممارسات السلبية.
كما ينبغي أن يكون هذا الاصلاح مُرْتَبِطًا بِحَتْمِيَّةِ ايجادْ التَّوازُنْ الحقيقي للْعِبْءِ الجبائي بين مستوى مساهمة الـمداخيل من جهة وتلك التي تَسْتَوْجِبُ أن ترتكز على الثروة من جهة اخرى.
وبهذا الصدد، ينبغي الإشارة إلى أن بعضَ الأشخاص يُحَقِّقُونَ مَدَاخِيل هائلة ويُكَوِّنُونَ ثَرَوَاتْ مُعتبَرَةْ دون أَيِّ مُساهمة منهم أو أَنَّهُم يدفعون أَدْنَى حدّ من الضرائب التي تَقِلُّ بكثير عَمَّا يحققونه من دخل وما يملكونه من رؤوس أموال، مما يخلق بالتالي شُعُورًا بعدم الـمساواة داخل الـمجتمع؛ وتِلْكُمْ ظَاهِرَةٌ سلبية يجب أن يُوضَعَ لها حَدّْ.
فضلا عن ذلك، فان التحديات الاقتصادية الـمستقبلية التي يتعين رفعها والتي ستنجم عن تنفيذ البرنامج الاقتصادي الجديد، تَسْتَوْقِفُنَا على أكثر من صعيد، حيث من الـمنتظر خلال جلساتكم أن تُدْمَجَ، ضِمن مَحاور التفكير، إِلْزَامِيَةُ وضع نظام جبائي يُوَاكِبُ الرؤية الاقتصادية الجديدة القائمة على ترقية الـمؤسسات الناشئة والاقتصاد الرقمي وَقَادِرٌ على إخراج بلادنا من تَبَعِيَّتِهَا للـمواد الاستخراجية وَدَمْجِهَا في سلسلة القِيمْ الدولية (chaine de valeurs internationales).
كما يُنْتَظرُ منكم خلال هذه الجلسات، أن تساهموا بِتَأَمُّلاَتِكُمْ في التَّعْجِيل بعملية التحديث، وَرَقْمَنَةِ أَنْمَاطِ تَسْييرْ خدمات الإدارة الجبائية، من أجل ضمان نجاعة الوظيفة الضريبية، وبالتالي محاربة التَّهَرُّبْ والغِشِّ الجِبَائِيَـيْنٍ بشكل فعال.
بل إن إصلاح جباية الدولة لا ينفصل عن الإصلاح الـمتعلق بالجماعات الـمحلية، طالـما أن الجباية الـمحلية تشكل الـمصدر الرئيسي للـموارد الـمالية لهذه الجماعات، من أجل الاقلاع بالتنمية الـمحلية وتحسين النمط الـمعيشي للـمواطن.
وغَنِيٌّ عن البيان أن نظامنا الجبائي الذي يتميز بطابعه الـمركزي، يَسْتَوْجِبُ في الـمستقبل إعادة النظر في بُنْـيَـتِهِ عَلَى نَحْوٍ يَصُبُّ في اتجاه الـمشاركة النشطة للـمجالس الـمحلية الـمنتخبة، سواء على الـمستوى الولائي أو البلدي.
وفي هذا السياق، لا يمكن أن تُكَلَّلَ هذه الخطة بالنجاح، ولن تُحَققَ الأهداف الـمرجوة دون الـمشاركة الفعالة وَتَضَافُرِ جهود مُعْظَمْ الدوائر الوزارية، لتحقيق تَوَازِنٍ أفضل بين احتياجات الخدمة العمومية ذات الجودة ومُسْتَلْزَمَاتْ الـموارد الـمالية الكافية لـميزانية الدولة.
ومع ذلك، فإن كل هذه الجهود، بِغَضِّ النظر عن نِطَاقِهَا ومُحْتَوَاهَا، لا يمكن أن تؤدي إلى النتائج الـمرجوة، مَا لـَمْ تَـكُنْ مصحوبة بتدابير ترمي إلى إرساء رُوحِ أَخْلاَقِيَاتْ الـمهنة التي يتعين أن يلتزم بها كل عون أثناء أداء وظائفه، من خلال الابتعاد عن أيِّ سُلُوكٍ من شأنه إِلْحَاقْ الضَّرر بِوَظِيفَةٍ نَبِيلَة مثل تأسيس الضريبة وَتَحْصِيلِهَا.
وفي هذا الـمنظور، فإن الحماية القانونية والاجتماعية لـموظفي إدارة الضرائب، تشكل إحدى الانشغالات الرئيسية للسلطات العمومية، التي سوف لن تَدَّخِرَ أي جهد لتحسين الوضع الاجتماعي والـمهني لأعوان الإدارة الجبائية، كما ستسهر على ضمان الحماية اللازمة للأعوان أثناء ممارسة وظائفهم.
وَإِذْ أُبَلِّغُكُم في الختام، تَشجيعات السيد رئيس الجمهورية ودَعْمِهِ الكامل، أشكركم على كرم الإصغاء، متمنيا لأشغالكم كل النجاح.
والسلام عليكم و رحمة الله وبركاته.
عن الوزارة الاولى